کد مطلب:168016 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:135

تأمل و ملاحظات
1) تعاملَ الامام علیه السلام القائد الربّانیّ مع الظالین والمُغرَّر بهم والمشلولین نفسیاً من أبناء هذه الامة معاملة الاب الرؤوف الحانی مالم یقع بینه وبینهم السیف وذلك لانّ غایة الامام علیه السلام أساساً هی دعوتهم الی الحقّ والهدی، وقد تجسّدت هذه الروح الابویة الحانیة فی سقایة هؤلاء القادمین بأمر ابن زیاد


للجعجعة به علیه السلام، وإروائهم فی ساعة هم أشدّ ما یكونون فیها حاجة إلی الماء، وكأنّه علیه السلام كان قد أحیاهم بعد احتضارٍ من شدّة العطش! بل لقد تجلّت رأفته وحنّوه علیه السلام كخلیفة للّه علی كلّ خلقه أیضاً فی إرواء الخیل والدوابّ الاخری وترشیفها ولاشكّ أنّ هذه الاخلاقیة الربّانیة حجّة بالغة علی أولئك القوم، تهزّ ضمائرهم هزّاً عنیفاً وتدفعها دفعاً قویّاً إلی التأمّل والتفكیر وتستنطق الفطرة فیهم للاجابة عن هذا السؤال: أیُّ الرجلین أحقّ بالاتباع والاطاعة: الامام علیه السلام أم ابن زیاد الجلف الجافی!؟

فلعلَّ ضالاًّ بعد هذه الهزّة فی الضمیر یستبصر فیهتدی إلی الحقّ ویتّبعه، ومُغرَّراً به تنكشف له حقیقة الامر فیعرف أهل الحقّ وقادته، ومشلولاً فی نفسه یتحرر فینطلق بقوّة وعزم للانضمام إلی أهل الحقّ وقد كان ولم یزل یعرفهم!!

2) كان الامام علیه السلام یرید أن یدخل الكوفة حُرّاً وبالطریقة التی یختارها هو!، وكان الحرُّ یرید أن یأخذه إلیها أسیراً! بأمر ابن زیاد! كان هذا أصل الاخذ والردّ بینهما، لكنّ ما یُلفت الانتباه فی هذه النقطة هو أنّ الامام علیه السلام ظلّ مصرّاً علی التوجّه نحو الكوفة حتّی بعد الاختیار الموسّع الذی عرضه علیه الحرّ بن یزید (رض) فی أن یتّخذ طریقاً لاتُدخله الكوفة ولاتردّه الی المدینة، فیذهب حیث یشاء بین ذلك! بل كان الاختیار أوسع علی روایة ابن أعثم الكوفیّ حیث شمل حتّی الرجوع الی المدینة إذا شاء! حین قال له الحرُّ (رض): (أبا عبداللّه، إنّی لم أؤمر بقتالك، وإنّما أُمرت أن لاأفارقك أو أقدم بك علی ابن زیاد! وأنا واللّه كارهٌ إنْ سلبنی اللّه بشیء من أمرك! غیر أنّی قد أخذتُ ببیعة القوم وخرجت الیك! وأنا أعلم أنه لایوافی القیامة أحد من هذه الامّة إلاّ وهو یرجو شفاعة جدّك محمّد (ص)! وأنا خائف إن قاتلتك أن أخسر الدنیا والاخرة! ولكن خذ عنّی هذا الطریق وامضِ حیث شئت! حتی أكتب إلی ابن زیاد أنّ هذا خالفنی فی الطریق


فلم أقدر علیه!..). [1] .

إنّ إصرار الامام علیه السلام علی التوجّه نحو الكوفة حتّی بعد انتفاء حجّة رسائل أهل الكوفة عملیّاً بعد وصول خبر مقتل مسلم علیه السلام وهانی (رض) وعبداللّه بن یقطر (رض) إلی الامام علیه السلام كاشف عن أنّ رسائل أهل الكوفة إلیه لم تكن السبب الرئیس فی توجّهه نحو العراق! وإنْ كان صحیحاً القول إنّه علیه السلام (لم یشاء أن یدع أیّ مجال لامكان القول بأنّه علیه السلام لم یفِ تماماً بالعهد لو كان قد انصرف عن التوجّه إلی الكوفة فی بعض ‍ مراحل الطریق، حتّی بعد أن أغلق جیش الحرّ دونه الطریق إلیها! ذلك لانّ الامام علیه السلام مع تمام حجّته البالغة علی أهل الكوفة أراد فی المقابل بلوغ تمام العذر وعلی أكمل الوجه فیما قد یُتصوَّر أنّ لهم حجّة باقیة علیه، بحیث لایبقی ثمّة مجال للطعن فی وفائه بالعهد!). [2] .

نعم، هذا سببٌ من جملة الاسباب التی تقع فی طول السبب الرئیس فی توجّهه علیه السلام نحو العراق: وهو أنّ الامام علیه السلام مع علمه بأنّه مالم یبایع یُقتل كان قد أصرَّ علی العراق لانّه أفضل أرض للمصرع الذی لابُدَّ منه، لما ینطوی علیه العراق من استعدادات للتأثر بواقعة المصرع والتغیّر نتیجة لها! وقد فصّلنا القول فی هذا تحت عنوان (لماذا اختار الامام الحسین علیه السلام العراق) فی الفصل الاوّل، فراجع.

3) لم یقصد الامام علیه السلام التخلّی عن نهضته بقوله فی خطبته بعد صلاة الظهر:

(.. وإنْ لم تفعلوا وكنتم لمقدمی كارهین انصرفت عنكم إلی المكان الذی أقبلتُ منه إلیكم!) أو قوله فی خطبته بعد صلاة العصر: (وإنْ كرهتمونا وجهلتم


حقّنا، وكان رأیكم غیر ما أتتنی كتبكم وقدمت به علیَّ رسلكم انصرفت عنكم!).

بل كلُّ ما عناه الامام علیه السلام فی هذین القولین وفی نظائرهما هو التخلّی عن التوجّه إلی الكوفة مادام لایمكنه أن یدخلها إلاّ أسیراً! وهذا لایعنی تخلّیه عن مواصلة القیام والنهضة، بل یعنی تغییر مسار حركة الركب الحسینیّ إلی جهة أخری غیر الكوفة، سواء بالعودة الی مكّة المكرّمة أو المدینة المنوّرة أو الذهاب إلی الیمن أو أی مكان آخر! هذه حدود المعنی المفهوم فی قوله علیه السلام: انصرفت عنكم.


[1] الفتوح، 5:139.

[2] الجزء الاوّل من هذه الدراسة: 161؛ مقالة: بين يدي الشهيد الفاتح.